مِن نُكَتِ القرآن
اقذفيه في التابوت
(إذْ أوحَينا إلى أمّكَ ما يُوحَى. أنِ اقذِفيهِ في التّابوتِ فاقذِفيهِ في اليمِّ فَلْيُلْقِهِ اليمُّ بالسّاحلِ) طه 38-39.
الخطاب لموسى عليه السلام.
التابوت:
الصندوق.
وليس خاصًا بالمَوتى كما تعارفنا عليه في هذا العصر.
لكنه عند قدماء المصريين كان صندوقًا للمَوتى.
والإنسان إذا وضع في صندوق مُحكَم صار في حكم الموتى، إلا بمعجزة من الله!
لم يقل:
- أوحَينا إلى أمّكَ أن اقذِفيه.
- أوحَينا إلى أمّكَ ما أوحَينا.
لم يقل:
فليلقه اليمّ في الساحل.
اقذفيه:
كيف تقذف الأمّ ولدَها؟!
قال بعض المفسرين: القذف هنا بمعنى: الوضع. ولا أراه صحيحًا.
لعل المراد أنها ولو قذفته لن يصيبه شيء بإرادة الله! ولعل هذا من باب التحضير النفسي لقذفه في البحر! ولو لم تقذفه فعلاً، لأن أمواج البحر ستتقاذفه!
فَلْيُلْقِهِ:
- «لفظُهُ أمرٌ ومعناه خبرٌ، مَجازه: حتى يلقيه اليمّ بالساحل» (البغوي).
- «لامُ الأمر في قوله: (فليلقهِ) دالّة على أمر التكوين، أي سخّرنا اليمّ لأن يلقيه بالساحل» (ابن عاشور).
«صيغة الأمر في قوله: (فليلقه) أريد بها الأمر الكوني القدَري، كقوله: (إنما أمرُهُ إذا أرادَ شيئًا أن يقولَ لهُ كُنْ فيكونُ) يس 82 ، فالبحر لا بدّ أن يلقيه بالساحل، لأن الله أمره بذلك كونًا وقدَرًا» (الشنقيطي).
ما يُوحَى:
لم يقل: (ما أوحَينا)، عدل عن الماضي إلى المضارع لمراعاة الفاصلة. وأبْهَمَ ما أوحى ثم فسّره.
ومراعاة الفاصلة في القرآن تحافظ على المعنى، أو تزيده حسنًا! وليس الأمر كمراعاة القافية في الشعر، فقد تدخل في الضرورات، وتقلل من جودة الشعر.
وهناك تقدير آخر عندي: ما يُوحَى مِثلُه.
وهذا أفضل من تقدير الرازي: ما يجبُ أن يُوحَى.
أقوال المفسرين في: (ما يُوحَى):
الرازي:
«( ما يُوحَى ) معناه: (وأوحَينا إلى أمّكَ) ما يجب أن يُوحَى، وإنما وجب ذلك الوحي لأن الواقعة واقعة عظيمة، ولا سبيل إلى معرفة المصلحة فيها إلا بالوحي، فكان الوحي واجبًا».
أبو حيان:
«قال الجمهور: هي وحي إلهام كقوله: ( وأوحَى ربّكَ إلى النّحلِ) النحل 68.
وقيل: وحي إعلام، إما بإراءة ذلك في مَنام، وإما ببعثِ ملَكٍ إليها لا على جهة النبوة كما بعث إلى مريم، وهذا هو الظاهر لظاهر قوله: ( يأخذُهُ عدوّ لي وعدوّ لهُ ) طه الآية نفسها، ولظاهر آية القصص: ( إنّا رادّوهُ إليكِ وجاعلوهُ مِنَ المُرسَلينَ ) القصص 7 (...). وفي قوله: ( ما يُوحَى ) إبهام وإجمال كقوله: ( إذ يَغشى السدرةَ ما يَغشَى ) النجم 16، ( فغشِيَهُم مِنَ اليمّ ما غَشِيَهُمْ ) طه 78، وفيه تهويل، وقد فسّر هنا بقوله: ( أن اقذفيه في التابوتِ )».
الشوكاني:
«المراد بـ (ما يُوحَى) ما سيأتي من الأمر لها، أبْهمه أولاً وفَسّره ثانيًا تفخيمًا لشأنه».
الشنقيطي:
«التعبير بالموصول في قوله: (ما يُوحَى) للدلالة على تعظيم شأن الأمر المذكور.
كقوله: ( فَغَشِيَهُم مِنَ اليمّ ما غَشِيَهُمْ) طه 78 ، وقوله: (فأوحَى إلى عبدِهِ ما أوحَى) النجم 10».
ابن عاشور:
«الوحي هنا: وحي الإلهام الصادق. وهو إيقاع معنى في النفس ينثلج له نفس المُلقى إليه، بحيث يجزم بنجاحه فيه، وذلك من توفيق الله تعالى. وقد يكون بطريق الرؤيا الصالحة التي يقذف في نفس الرائي أنها صدق.
و(ما يُوحَى): موصول مفيد أهمية ما أُوحي إليها. ومفيد تأكيد كونه إلهامًا من قبل الحق».
أقول:
القول بالإبهام ثم التفسير أفضل من قول ابن عاشور.
وكذلك القول بتقدير: ما يُوحَى مثلُه.
لم يقل:
فليقذفه اليمّ بالساحل.
الضمير المتصل:
الهاء في قوله: (اقذفيه) (فاقذفيه) (فليلقه) هل تعود كلها على موسى؟
الهاء الثانية هل تعود على موسى أم على التابوت؟
سواء أعادت على (موسى) أم على (التابوت) فالنتيجة واحدة، لأن موسى صار في التابوت!
والأمر يحتمل الوجهين، ولا أوافق الزمخشري على أن النَّظْم يتنافر بتفرُّق الضمائر، بل قد أرى العكس أن احتمال الأمرين أقرب إلى الإعجاز من أمر واحد! والله أعلم. ولا يعني هذا بالضرورة أن تفرُّق الضمائر أمر حسن في كل موضع.
لعلّ أوّل من أثار هذه المسألة هو الزمخشري، وربما لم يكن من المهمّ إثارتها أصلاً، وشغل العلماء بها. وأنا سايرتهم في طرحها لأعطي نماذج مختلفة من اهتمامات العلماء، قد يكون بعضها مُهمًا وبعضها غير ذلك!
نقل السيوطي:
«الأصل توافق الضمائر في المرجع حَذرًا من التشتيت، ولهذا لما جوّز بعضهم في: (أنِ اقذفيهِ في التابوتِ فاقذفيهِ في اليمّ) طه 39 أن الضمير في الثاني: للتابوت، وفي الأول: لموسى، عابه الزمخشري ، وجعله تنافرًا مُخرِجًا للقرآن عن إعجازه، فقال: والضمائر كلها راجعة إلى موسى، ورجوع بعضها إليه، وبعضها إلى التابوت، فيه هُجْنة، لِما تؤدّي إليه من تنافر النظْم الذي هو أمّ إعجاز القرآن، ومراعاته أهم ما يجب على المفسّر».
(الإتقان، النوع 42، في قواعد مهمة يحتاج المفسّر إلى معرفتها: قاعدة في الضمائر).
أقوال المفسّرين في الضمائر:
الرازي:
«قال صاحب "الكشاف": الضمائر كلها راجعة إلى موسى عليه السلام، ورجوع بعضها إليه، وبعضها إلى التابوت، يؤدّي إلى تنافر النظْم.
فإن قيل: المقذوف في البحر هو التابوت، وكذلك المُلقى إلى الساحل.
قلنا: لا بأس بأن يقال: المقذوف والمُلقى هو موسى عليه السلام في جوف التابوت، حتى لا تتفرّق الضمائر ولا يحصل التنافر» .
أبو حيان:
«الظاهر أن الضمير في: ( فاقذفيهِ في اليمّ ) عائد على موسى، وكذلك الضميران بعده، إذْ هو المحدّث عنه لا التابوت، إنما ذكر التابوت على سبيل الوعاء والفَضْلة.
وقال ابن عطيّة: والضمير الأول في: ( اقذفيه ) عائد على موسى، وفي الثاني عائد على(التابوت )، ويجوز أن يعود على موسى.
وقال الزمخشري: والضمائر كلّها راجعة إلى موسى، ورجوع بعضها إليه، وبعضها إلى التابوت، فيه هُجْنة، لِما يؤدّي إليه من تنافر النَّظْم.
فإن قلت: المقذوف في البحر هو التابوت، وكذلك المُلقى إلى الساحل؟ قلتُ: ما ضرّك لو قلتَ: المقذوف والمُلقى هو موسى في جوف التابوت؟ حتى لا تتفرّق الضمائر، فيتنافر عليك النظْم، الذي هو أمّ إعجاز القرآن، والقانون الذي وقع عليه التحدّي ومراعاته أهم ما يجب على المفسّر. انتهى.
ولِقائلٍ أن يقول: إن الضمير إذا كان صالحًا لأن يعود على الأقرب وعلى الأبعد، كان عَوْدُه على الأقرب راجحًا، وقد نصّ النحويون على هذا، فعَوْدُه على: ( التابوت ) في قوله: ( فاقذفيه في اليمّ فليلقهِ اليمّ ) راجح، والجواب أنه إذا كان أحدهما هو المحدّث عنه، والآخر فَضْلة، كان عَوْدُه على المحدّث عنه أرجح، ولا يُلتفت إلى القرب. وبهذا رددنا على أبي محمد بن حزم في دعواه أن الضمير في قوله: (فإنّه رجْسٌ ) الأنعام 145 عائد على (خنزير)، لا على (لحم)، لكونه أقرب مذكور، فيحرم بذلك شحمُه وغضروفُه وعظمُه وجلدُه، بأنّ المحدّث عنه هو (لحم خنزير) لا (خنزير)».
الآية:
(قُلْ لا أجدُ في ما أوحيَ إليّ مُحرّمًا على طاعم يََطْعَمُهُ إلا أن يكونَ مَيْتةً أو دمًا مَسفوحًا أو لحمَ خِنْزيرٍ فإنّهُ رِجْسٌ) الأنعام 145.
الشوكاني:
«الضمائر هذه كلّها لموسى لا للتابوت، وإن كان قد أُلقي معه، لكن المقصود هو موسى، مع كون الضمائر قبل هذا وبعدَه له».
الشنقيطي:
«الضمير في قوله: (أن اقذفيه) راجع إلى موسى بلا خلاف. وأما الضمير في قوله: (فاقذفيه في اليمّ) وقوله: (فليلقه) فقيل: راجع إلى التابوت، والصواب رجوعه إلى موسى في داخل التابوت، لأن تفريق الضمائر غير حسَن».
ابن عاشور:
«الضمائر الثلاثة المنصوبة يجوز أن تكون عائدة إلى موسى، لأنه المقصود وهو حاضر في ذهن أمّه الموحَى إليها، وقذفُه في التابوت وفي اليمّ، وإلقاؤه في الساحل، كلّها أفعالٌ متعلقة بضميره، إذ لا فرق في فعل الإلقاء بين كونه مباشرًا أو في ضمن غيره، لأنه هو المقصود بالأفعال الثلاثة. ويجوز جعل الضميرين الأخيرين عائدين إلى التابوت، ولا لَبْسَ في ذلك».
اقذفيه في التابوت
(إذْ أوحَينا إلى أمّكَ ما يُوحَى. أنِ اقذِفيهِ في التّابوتِ فاقذِفيهِ في اليمِّ فَلْيُلْقِهِ اليمُّ بالسّاحلِ) طه 38-39.
الخطاب لموسى عليه السلام.
التابوت:
الصندوق.
وليس خاصًا بالمَوتى كما تعارفنا عليه في هذا العصر.
لكنه عند قدماء المصريين كان صندوقًا للمَوتى.
والإنسان إذا وضع في صندوق مُحكَم صار في حكم الموتى، إلا بمعجزة من الله!
لم يقل:
- أوحَينا إلى أمّكَ أن اقذِفيه.
- أوحَينا إلى أمّكَ ما أوحَينا.
لم يقل:
فليلقه اليمّ في الساحل.
اقذفيه:
كيف تقذف الأمّ ولدَها؟!
قال بعض المفسرين: القذف هنا بمعنى: الوضع. ولا أراه صحيحًا.
لعل المراد أنها ولو قذفته لن يصيبه شيء بإرادة الله! ولعل هذا من باب التحضير النفسي لقذفه في البحر! ولو لم تقذفه فعلاً، لأن أمواج البحر ستتقاذفه!
فَلْيُلْقِهِ:
- «لفظُهُ أمرٌ ومعناه خبرٌ، مَجازه: حتى يلقيه اليمّ بالساحل» (البغوي).
- «لامُ الأمر في قوله: (فليلقهِ) دالّة على أمر التكوين، أي سخّرنا اليمّ لأن يلقيه بالساحل» (ابن عاشور).
«صيغة الأمر في قوله: (فليلقه) أريد بها الأمر الكوني القدَري، كقوله: (إنما أمرُهُ إذا أرادَ شيئًا أن يقولَ لهُ كُنْ فيكونُ) يس 82 ، فالبحر لا بدّ أن يلقيه بالساحل، لأن الله أمره بذلك كونًا وقدَرًا» (الشنقيطي).
ما يُوحَى:
لم يقل: (ما أوحَينا)، عدل عن الماضي إلى المضارع لمراعاة الفاصلة. وأبْهَمَ ما أوحى ثم فسّره.
ومراعاة الفاصلة في القرآن تحافظ على المعنى، أو تزيده حسنًا! وليس الأمر كمراعاة القافية في الشعر، فقد تدخل في الضرورات، وتقلل من جودة الشعر.
وهناك تقدير آخر عندي: ما يُوحَى مِثلُه.
وهذا أفضل من تقدير الرازي: ما يجبُ أن يُوحَى.
أقوال المفسرين في: (ما يُوحَى):
الرازي:
«( ما يُوحَى ) معناه: (وأوحَينا إلى أمّكَ) ما يجب أن يُوحَى، وإنما وجب ذلك الوحي لأن الواقعة واقعة عظيمة، ولا سبيل إلى معرفة المصلحة فيها إلا بالوحي، فكان الوحي واجبًا».
أبو حيان:
«قال الجمهور: هي وحي إلهام كقوله: ( وأوحَى ربّكَ إلى النّحلِ) النحل 68.
وقيل: وحي إعلام، إما بإراءة ذلك في مَنام، وإما ببعثِ ملَكٍ إليها لا على جهة النبوة كما بعث إلى مريم، وهذا هو الظاهر لظاهر قوله: ( يأخذُهُ عدوّ لي وعدوّ لهُ ) طه الآية نفسها، ولظاهر آية القصص: ( إنّا رادّوهُ إليكِ وجاعلوهُ مِنَ المُرسَلينَ ) القصص 7 (...). وفي قوله: ( ما يُوحَى ) إبهام وإجمال كقوله: ( إذ يَغشى السدرةَ ما يَغشَى ) النجم 16، ( فغشِيَهُم مِنَ اليمّ ما غَشِيَهُمْ ) طه 78، وفيه تهويل، وقد فسّر هنا بقوله: ( أن اقذفيه في التابوتِ )».
الشوكاني:
«المراد بـ (ما يُوحَى) ما سيأتي من الأمر لها، أبْهمه أولاً وفَسّره ثانيًا تفخيمًا لشأنه».
الشنقيطي:
«التعبير بالموصول في قوله: (ما يُوحَى) للدلالة على تعظيم شأن الأمر المذكور.
كقوله: ( فَغَشِيَهُم مِنَ اليمّ ما غَشِيَهُمْ) طه 78 ، وقوله: (فأوحَى إلى عبدِهِ ما أوحَى) النجم 10».
ابن عاشور:
«الوحي هنا: وحي الإلهام الصادق. وهو إيقاع معنى في النفس ينثلج له نفس المُلقى إليه، بحيث يجزم بنجاحه فيه، وذلك من توفيق الله تعالى. وقد يكون بطريق الرؤيا الصالحة التي يقذف في نفس الرائي أنها صدق.
و(ما يُوحَى): موصول مفيد أهمية ما أُوحي إليها. ومفيد تأكيد كونه إلهامًا من قبل الحق».
أقول:
القول بالإبهام ثم التفسير أفضل من قول ابن عاشور.
وكذلك القول بتقدير: ما يُوحَى مثلُه.
لم يقل:
فليقذفه اليمّ بالساحل.
الضمير المتصل:
الهاء في قوله: (اقذفيه) (فاقذفيه) (فليلقه) هل تعود كلها على موسى؟
الهاء الثانية هل تعود على موسى أم على التابوت؟
سواء أعادت على (موسى) أم على (التابوت) فالنتيجة واحدة، لأن موسى صار في التابوت!
والأمر يحتمل الوجهين، ولا أوافق الزمخشري على أن النَّظْم يتنافر بتفرُّق الضمائر، بل قد أرى العكس أن احتمال الأمرين أقرب إلى الإعجاز من أمر واحد! والله أعلم. ولا يعني هذا بالضرورة أن تفرُّق الضمائر أمر حسن في كل موضع.
لعلّ أوّل من أثار هذه المسألة هو الزمخشري، وربما لم يكن من المهمّ إثارتها أصلاً، وشغل العلماء بها. وأنا سايرتهم في طرحها لأعطي نماذج مختلفة من اهتمامات العلماء، قد يكون بعضها مُهمًا وبعضها غير ذلك!
نقل السيوطي:
«الأصل توافق الضمائر في المرجع حَذرًا من التشتيت، ولهذا لما جوّز بعضهم في: (أنِ اقذفيهِ في التابوتِ فاقذفيهِ في اليمّ) طه 39 أن الضمير في الثاني: للتابوت، وفي الأول: لموسى، عابه الزمخشري ، وجعله تنافرًا مُخرِجًا للقرآن عن إعجازه، فقال: والضمائر كلها راجعة إلى موسى، ورجوع بعضها إليه، وبعضها إلى التابوت، فيه هُجْنة، لِما تؤدّي إليه من تنافر النظْم الذي هو أمّ إعجاز القرآن، ومراعاته أهم ما يجب على المفسّر».
(الإتقان، النوع 42، في قواعد مهمة يحتاج المفسّر إلى معرفتها: قاعدة في الضمائر).
أقوال المفسّرين في الضمائر:
الرازي:
«قال صاحب "الكشاف": الضمائر كلها راجعة إلى موسى عليه السلام، ورجوع بعضها إليه، وبعضها إلى التابوت، يؤدّي إلى تنافر النظْم.
فإن قيل: المقذوف في البحر هو التابوت، وكذلك المُلقى إلى الساحل.
قلنا: لا بأس بأن يقال: المقذوف والمُلقى هو موسى عليه السلام في جوف التابوت، حتى لا تتفرّق الضمائر ولا يحصل التنافر» .
أبو حيان:
«الظاهر أن الضمير في: ( فاقذفيهِ في اليمّ ) عائد على موسى، وكذلك الضميران بعده، إذْ هو المحدّث عنه لا التابوت، إنما ذكر التابوت على سبيل الوعاء والفَضْلة.
وقال ابن عطيّة: والضمير الأول في: ( اقذفيه ) عائد على موسى، وفي الثاني عائد على(التابوت )، ويجوز أن يعود على موسى.
وقال الزمخشري: والضمائر كلّها راجعة إلى موسى، ورجوع بعضها إليه، وبعضها إلى التابوت، فيه هُجْنة، لِما يؤدّي إليه من تنافر النَّظْم.
فإن قلت: المقذوف في البحر هو التابوت، وكذلك المُلقى إلى الساحل؟ قلتُ: ما ضرّك لو قلتَ: المقذوف والمُلقى هو موسى في جوف التابوت؟ حتى لا تتفرّق الضمائر، فيتنافر عليك النظْم، الذي هو أمّ إعجاز القرآن، والقانون الذي وقع عليه التحدّي ومراعاته أهم ما يجب على المفسّر. انتهى.
ولِقائلٍ أن يقول: إن الضمير إذا كان صالحًا لأن يعود على الأقرب وعلى الأبعد، كان عَوْدُه على الأقرب راجحًا، وقد نصّ النحويون على هذا، فعَوْدُه على: ( التابوت ) في قوله: ( فاقذفيه في اليمّ فليلقهِ اليمّ ) راجح، والجواب أنه إذا كان أحدهما هو المحدّث عنه، والآخر فَضْلة، كان عَوْدُه على المحدّث عنه أرجح، ولا يُلتفت إلى القرب. وبهذا رددنا على أبي محمد بن حزم في دعواه أن الضمير في قوله: (فإنّه رجْسٌ ) الأنعام 145 عائد على (خنزير)، لا على (لحم)، لكونه أقرب مذكور، فيحرم بذلك شحمُه وغضروفُه وعظمُه وجلدُه، بأنّ المحدّث عنه هو (لحم خنزير) لا (خنزير)».
الآية:
(قُلْ لا أجدُ في ما أوحيَ إليّ مُحرّمًا على طاعم يََطْعَمُهُ إلا أن يكونَ مَيْتةً أو دمًا مَسفوحًا أو لحمَ خِنْزيرٍ فإنّهُ رِجْسٌ) الأنعام 145.
الشوكاني:
«الضمائر هذه كلّها لموسى لا للتابوت، وإن كان قد أُلقي معه، لكن المقصود هو موسى، مع كون الضمائر قبل هذا وبعدَه له».
الشنقيطي:
«الضمير في قوله: (أن اقذفيه) راجع إلى موسى بلا خلاف. وأما الضمير في قوله: (فاقذفيه في اليمّ) وقوله: (فليلقه) فقيل: راجع إلى التابوت، والصواب رجوعه إلى موسى في داخل التابوت، لأن تفريق الضمائر غير حسَن».
ابن عاشور:
«الضمائر الثلاثة المنصوبة يجوز أن تكون عائدة إلى موسى، لأنه المقصود وهو حاضر في ذهن أمّه الموحَى إليها، وقذفُه في التابوت وفي اليمّ، وإلقاؤه في الساحل، كلّها أفعالٌ متعلقة بضميره، إذ لا فرق في فعل الإلقاء بين كونه مباشرًا أو في ضمن غيره، لأنه هو المقصود بالأفعال الثلاثة. ويجوز جعل الضميرين الأخيرين عائدين إلى التابوت، ولا لَبْسَ في ذلك».