في زحمة أمواج الفتن المتلاطمة، وتكالب الناس غنيِّهم وفقيرهم، شبابهم وشيبهم على الدنيا ؛ يجد السالك إلى ربه نفسه في غربة تامة، وذهول عظيم، ويحدث أن يصيبه لهيب أو شرارة من تلك الفتن فيتيه ويظلم قلبه، وتجتاح الوحشة والانقباض جنانه حتى يضحى كريشة في مهب الريح. تتداركه رحمة الله التي وسعت كل شيء فينادي عليه القرآنقَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ.
يفتح كتاب ربه وينتقل بعين قلبه بين آياته وسوره، فتفك أغلال القسوة والضيق عن صدره، وتنجلي غمم الغفلة عن بصيرته فينذهل أمام حقائق الغفلة والبعد التي لطالما رزح ويرزح فيها الكثير من العباد، ويعي أهمية الدعوة إلى القرآن بعد أن ارتوت روحه بزُلال عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ.
تدب الحياة في القلب بعد أن لا مس سويداءه غيث الفرقان، فتعلو الهمة وتتوق إلى تسنُّم مقامات الخواص وأهل الحضرة الرحمانية بعد الاستظلال ب:
بَلْ هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم.
ما أعظم تلك الساعة التي ينبلج فيها فجر اليقين بصدق هذا الكتاب العظيم، والمعجزة الباهرة؛ ما أعظم تلك اللحظة التي تعِب فيها القلب ونصَب من كثرة التنقل في سبل تَطَلُّبِ الراحة والطمأنينة، فإذا بالقرآن يهدي ويدل إنَّ هَذَا القرآن يهدي للتي هي أقوم.
القلب المعمور بالقرآن وتعظيم القرآن لا يتطرق إليه شك ولا ريبة مهما عظمت اختراعات البشر وتقنياتهم، وقصورهم وأبنيتهم ،
مافَرَّطنا في الكتابِ مِنْ شَيْء.
المصطلِح مع القرآن لا ترعبه الآلام والأذواء والأسقام لأنه راسخ الإيمان ثابت العقيدة بالقرآنقُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌلا كلام أعجز من القرآن بلاغة وبيانا، وأسرارا وحِكمًا، ومع ذلك كله يسره الله على العباد، وفتح مغاليق فهمه على مصراعيها أمام الصادقين منهموَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ من مدَّكرٍ
القرآن ترياق الصالحين، وملاذ الحائرين، والموفق السعيد من أقبل عليه بقلبه وعقله، وعمَّر ما بقي من عمره بالتبحر في أسراره، والارتواء من معين حياضه، والشقي المخذول الطريد من اتخذ هجران الفرقان خِدْناً، والإعراض عن نسماته ونوره ملجأ وحصنا
منقول